فصل: بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّبَبِ الَّذِي قَدْ نَزَلَتْ {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بيان مشكل الآثار **


بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فِي اللِّقَاحِ الَّتِي كَانَ مِنْ عُقُوبَتِهِ لِآخِذِيهَا مَا كَانَ هَلْ كَانَتْ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ أَوْ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ‏.‏

وَحَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ رِشْدِينَ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الَّذِينَ سَرَقُوا لِقَاحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْرَجَهُمْ إلَى لِقَاحِهِ فَقَتَلُوا رَاعِيَهَا وَاسْتَاقُوهَا إلَى أَرْضِ الشِّرْكِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ عَطِّشْ مَنْ عَطَّشَ آلَ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ ثُمَّ بَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ فَأُخِذُوا فَقَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ اللِّقَاحَ الْمَفْعُولَ فِيهَا ذَلِكَ الْفِعْلَ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ مِنْ الصَّدَقَةِ لأَنَّ الصَّدَقَةَ كَانَتْ حَرَامًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى سَائِرِ بَنِي هَاشِمٍ وَفِي آلِهِ الَّذِينَ دَعَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعَطِّشَ مَنْ عَطَّشَهُمْ بَيَانُهُ فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الإِبِلَ كَانَتْ لَهُ لاَ مِنْ الصَّدَقَةِ‏.‏

‏فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ أَفَيَجُوزُ لِلأَئِمَّةِ بَعْدَهُ أَنْ يُقِيمُوا الْعُقُوبَاتِ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى مَنْ فَعَلَهَا فِي أَمْوَالِهِمْ كَمَا يُقِيمُونَهَا عَلَى مَنْ فَعَلَهَا فِي غَيْرِ أَمْوَالِهِمْ‏؟‏ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى خِلاَفَ الأَئِمَّةِ بَعْدَهُ وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ مِثْلَ هَذَا عَلَى مَنْ فَعَلَهُ فِي مَالِهِ كَمَا يُقِيمُهُ عَلَى مِثْلِ مَنْ فَعَلَهُ فِي مَالِ مَنْ سِوَاهُ لأَنَّ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ صلى الله عليه وسلم فَبِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ يَفْعَلُهُ فَالْحَاكِمُ بِهِ عَلَى مَنْ يَفْعَلُ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالْقَائِمُ بِهِ بِأَمْرِهِ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ عليهم الصلاة والسلام فَإِلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالإِقْرَارَاتِ جَمِيعًا وَأَمَّا مَنْ سِوَاهُ مِنْ الأَئِمَّةِ بَعْدَهُ فَبِخِلاَفِ ذَلِكَ فِي الْبَيِّنَاتِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا بَيِّنَةً لِإِقَامَةِ عُقُوبَةٍ عَلَى مَنْ فَعَلَ فِي أَمْوَالِهِمْ مَا يُوجِبُ تِلْكَ الْعُقُوبَةَ لأَنَّهُمْ لاَ يَصْلُحُ لَهُمْ أَنْ يَحْكُمُوا بِتِلْكَ الأَمْوَالِ لأَنْفُسِهِمْ عَلَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ مِمَّنْ يَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ دُونَهُمْ وَلَهُمْ أَنْ يَحْكُمُوا فِي ذَلِكَ بِالإِقْرَارِ عَلَى مُنْتَهَكِي ذَلِكَ فِي أَمْوَالِهِمْ مِمَّنْ هُوَ مُقِرٌّ بِمَا انْتَهَكَهُ مِنْ ذَلِكَ وَبِوُجُوبِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ فِيهِ وَتَمَلُّكِهِمْ لِتِلْكَ الأَمْوَالِ دُونَهُ‏.‏

وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فِي الأَطْلَسِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ فِي بَيْتِ أَسْمَاءَ زَوْجَتِهِ مَا كَانَ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَجُلاً مُوَلَّدًا أَطْلَسَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَانَ يَخْدُمُ أَبَا بَكْرٍ فِي خِلاَفَتِهِ فَلَطَفَ بِهِ حَتَّى بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه مُصَدِّقًا فَبَعَثَهُ مَعَهُ وَأَوْصَاهُ بِهِ فَلَبِثَ قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ ثُمَّ جَاءَ يُوضِعُ بَعِيرَهُ قَدْ قَطَعَهُ الْمُصَدِّقُ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ وَيْلَكَ مَا لَك‏؟‏ قَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ وَجَدَنِي خُنْت فَرِيضَةً فَقَطَعَ فِيهَا يَدِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه قَاتَلَ اللَّهُ هَذَا الَّذِي قَطَعَ يَدَك فِي فَرِيضَةٍ خُنْتَهَا وَاَللَّهِ إنِّي لأَرَاهُ يَخُونُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِينَ فَرِيضَةً وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ كُنْتَ صَادِقًا لِأُقِيدَنَّكَ مِنْهُ فَمَكَثَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ بِمَنْزِلَتِهِ الَّتِي كَانَ بِهَا يَقُومُ فَيُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَيَتَعَارُّ أَبُو بَكْرٍ عَنْ فِرَاشِهِ فَإِذَا سَمِعَ قِرَاءَتَهُ فَاضَتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ قَاتَلَ اللَّهُ الَّذِي قَطَعَ يَدَ هَذَا قَالَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ طُرِقَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ فَسُرِقَ بَيْتُهَا فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه صَلاَةَ الْفَجْرِ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ إنَّ الْحَيَّ قَدْ طَرَقُوا اللَّيْلَةَ فَسَرَقُوا فَانْفَضُّوا لاِبْتِغَاءِ مَتَاعِهِمْ قَالَتْ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْنَا ذَلِكَ الأَقْطَعُ وَأَنَا جَالِسَةٌ فِي حِجَالٍ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ سُرِقْتُمْ اللَّيْلَةَ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَرَفَعَ يَدَهُ الصَّحِيحَةَ وَيَدَهُ الْجَذْمَاءَ فَقَالَ اللَّهُمَّ عَيِّنْ عَلَيَّ سَارِقَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ فَوَاَللَّهِ فَمَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ حَتَّى أَخَذْتُ السَّرِقَةَ مِنْ بَيْتِهِ فَأَتَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ وَيْحَكَ وَاَللَّهِ مَا أَنْتَ بِاَللَّهِ بِعَالِمٍ اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَقَالَ قَائِلٌ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ قَطْعُ أَبِي بَكْرٍ إيَّاهُ لاَ بِإِقْرَارٍ كَانَ مِنْهُ بِالسَّرِقَةِ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ سَمِعَهَا وَهَذَا بِخِلاَفِ مَا ذَهَبْتَ إلَيْهِ أَنْتَ‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ مِنْ وُجُودِ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ فِي مَنْزِلِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ مَعَ ذَلِكَ بِسَرِقَتِهِ إيَّاهُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ إلَيْنَا مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ وَقَدْ وَجَدْنَا ذَلِكَ مَنْصُوصًا مَذْكُورًا فِي حَدِيثٍ لَيْسَ بِدُونِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَهُوَ‏.‏

مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدِمَ فَنَزَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فَشَكَا إلَيْهِ أَنَّ عَامِلَ الْيَمَنَ ظَلَمَهُ فَكَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ مَا لَيْلُك بِلَيْلِ سَارِقٍ ثُمَّ إنَّهُمْ افْتَقَدُوا حُلِيًّا لأَسْمَاءِ بِنْتِ عُمَيْسٍ امْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَطُوفُ مَعَهُمْ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ عَلَيْك بِمَنْ بَيَّتَ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ الصَّالِحِ فَوَجَدُوا الْحُلِيَّ عِنْدَ صَائِغٍ زَعَمَ أَنَّ الأَقْطَعَ جَاءَهُ بِهِ فَاعْتَرَفَ بِهِ الأَقْطَعُ أَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِهِ فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاَللَّهِ لَدُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَشَدُّ عِنْدِي مِنْ سَرِقَتِهِ‏.‏

فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الشَّكُّ فِيمَا كَانَ قُطِعَ بِهِ مِنْ اعْتِرَافٍ أَوْ شَهَادَةٍ عَلَيْهِ‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ إنَّ ذَلِكَ الشَّكَّ إنَّمَا كَانَ مِنْ بَعْضِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ فِيهِ تَحْقِيقُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ عَلَيْهِ فَوَجَبَ بِذَلِكَ طَلَبُ الْحَقِيقَةِ فِي ذَلِكَ مَا هِيَ‏؟‏‏.‏

فَوَجَدْنَا ابْنَ أَبِي مَرْيَمَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْقَاسِمِ أَنَّ رَجُلاً نَزَلَ بِأَبِي بَكْرٍ مَقْطُوعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فَقَالَ مَنْ قَطَعَك‏؟‏ قَالَ أَمِيرُ الْيَمَنِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَئِنْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ فَجَعَلَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا لَيْلُك بِلَيْلِ سَارِقٍ فَفَقَدُوا لاََسْمَاءَ حُلِيًّا فَجَعَلَ يَدْعُو عَلَى مَنْ أَخَذَهُ وَقَالَ أَهْلُ بَيْتٍ صَالِحُونَ قَالَ فَوَجَدُوهُ عِنْدَ صَائِغٍ فَأَشَارَ بِهِ فَاعْتَرَفَ فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَقْطَعَ رِجْلَهُ فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَقَالُوا قَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَنَّ الْيَدَ بَعْدَ الرِّجْلِ فَقَطَعَ يَدَهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَغُرَّتُهُ بِاَللَّهِ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ سَرِقَتِهِ‏.‏

فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ كَانَتْ بِالْحُجَّةِ الَّتِي أُقِيمَ بِهَا عَلَى ذَلِكَ السَّارِقِ مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ هِيَ إقْرَارُهُ لاَ بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّكَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ كَانَ مِنْ دُونِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ وَأَنَّهُ كَانَ مِنْ مَالِكٍ وَأَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ الثَّوْرِيِّ فِي ذَلِكَ حِفْظُ الْحَقِيقَةِ فِيهِ فَكَانَ بِهِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ يُوجِبُ بِهِ أَنَّ لِلإِمَامِ سِوَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إقَامَةَ الْعُقُوبَاتِ عَلَى مُنْتَهِكِي الْحُرُمَاتِ مِنْ مَالِ الْمُقِرِّينَ بِذَلِكَ كَمَا يُقِيمُهَا عَلَى مُنْتَهِكِهَا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ‏.‏

فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْحُلِيَّ الْمَسْرُوقَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لاََسْمَاءَ لاَ لأَبِي بَكْرٍ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدْفَعُ أَنْ يَكُونَ لأَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ إقَامَةُ الْعُقُوبَةِ بِالْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ عِنْدَهُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَانَ لأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فَقَدْ كَانَ لِزَوْجَتِهِ وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَشْهَدَ فِي مَالِ زَوْجَتِهِ بِهِ لَهَا كَمَا لاَ يَشْهَدُ فِي مَالِ نَفْسِهِ بِهِ لِنَفْسِهِ‏.‏

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ لَمَّا جَاءَهُ بِغُلاَمِهِ فَقَالَ إنَّ هَذَا سَرَقَ شَيْئًا ذَكَرَهُ لاِمْرَأَتِي فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لاَ قَطْعَ عَلَيْهِ غُلاَمُكُمْ سَرَقَ مَالَكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَاهُ يُونُسُ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَأَخْبَرَ عُمَرُ رضي الله عنه أَنَّ السَّارِقَ مِنْ مَالِ زَوْجَتِهِ مِمَّنْ لاَ يُقْطَعُ لَوْ سَرَقَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ لاَ قَطْعَ عَلَيْهِ فِيهِ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ زَوْجَتِهِ فَفِي ذَلِكَ مَا دَلَّ أَنَّ مَا لَيْسَ لِلإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَهُ بِالْمُنْتَهِكِ الْحُرُمَاتِ فِي مَالِهِ لَيْسَ لَهُ فِعْلُ مِثْلِهِ بِمُنْتَهِكِي الْحُرُمَاتِ فِي مَالِ زَوْجَتِهِ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ أَمَرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى

حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ حَدَّثَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْت أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ‏.‏

وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيَّ حَدَّثَهُمَا أَنَّ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَمَرْتُ بَقَرِيَّةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى يُقَالُ لَهَا يَثْرِبُ هِيَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي خَبَثَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ الْخَبَثَ إِلاَّ أَنَّ مَالِكًا قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرْت بَقَرِيَّةٍ عَلَى مَعْنَى أَمَرْت بِالْهِجْرَةِ إلَى قَرْيَةٍ‏.‏

وَوَجَدْنَا قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم تَأْكُلُ الْقُرَى بِمَعْنَى قَوْلِهِ يَأْكُلُ أَهْلُهَا الْقُرَى كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَان فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ‏}‏ بِمَعْنَى وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَ أَهْلُهَا آمَنِينَ مُطْمَئِنِّينَ وَكَانَ ذِكْرُ الْقَرْيَةِ فِي هَذَا كِنَايَةً عَنْ أَهْلِهَا وَأَهْلُهَا الْمُرَادُونَ بِمَا ذُكِرَ فِيهَا لاَ هِيَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ‏}‏ وَالْقَرْيَةُ لاَ صُنْعَ لَهَا‏.‏

وقوله تعالى ‏{‏فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ‏}‏ وَالْقَرْيَةُ لاَ كُفْرَ لَهَا‏.‏

وقوله تعالى ‏{‏فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ‏}‏ وَالْقَرْيَةُ لاَ تُذَاقُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا‏.‏

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ‏}‏ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ مَا قَبْلَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ مُرَادٌ بِهِ أَهْلَ الْقَرْيَةِ لاَ الْقَرْيَةِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا‏}‏ بِمَعْنَى وَاسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَاسْأَلْ أَهْلَ الْعِيرِ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا‏.‏

وَوَجَدْنَا قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم تَأْكُلُ الْقُرَى بِمَعْنَى قَوْلِهِ تَفْتَحُ الْقُرَى أَيْ يَفْتَحُ أَهْلُهَا الْقُرَى‏.‏

وَوَجَدْنَا قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم تَأْكُلُ بِمَعْنَى تَقْدِرُ كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا‏}‏ لَيْسَ يَعْنِي بِذَلِكَ آكِلِيهَا دُونَ مُحْتَجِبِيهَا عَنْ الْيَتَامَى لاَ بِأَكْلٍ لَهَا وَكَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَلاَ تَأْكُلُوهَا إسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا‏}‏ بِمَعْنَى قَوْلِهِ تَغْلِبُوا عَلَيْهَا إسْرَافًا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا فَيُقِيمُونَ عَلَيْكُمْ الْحُجَّةَ فِيهَا فَيَنْتَزِعُوهَا مِنْكُمْ لأَنْفُسِهِمْ فَكَانَ الأَكْلُ فِيمَا ذَكَرْنَا يُرَادُ بِهِ الْغَلَبَةُ عَلَى الشَّيْءِ لأَنَّ كُلَّ آكِلٍ لِشَيْءٍ غَالِبٌ عَلَيْهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم تَأْكُلُ الْقُرَى يَعْنِي أَهْلَهَا هُوَ بِمَعْنَى تَقْدِرُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى بِافْتِتَاحِ أَهْلِهَا تِلْكَ الْقُرَى وَغَلَبَتِهِمْ عَلَيْهَا وَعَلَى أَهْلِهَا وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ رضوان الله عليهم حَتَّى أَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَقَدْ كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يُفَسِّرُ تَأْكُلُ الْقُرَى بِمِثْلِ مَا فَسَّرْنَاهُ بِهِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ قَالَ لَنَا ابْنُ وَهْبٍ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَأْكُلُ الْقُرَى قَالَ‏:‏ تَفْتَحُ الْقُرَى فَهَذَا مُوَافِقٌ لِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلْنَا قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَيْهِ وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّبَبِ الَّذِي قَدْ نَزَلَتْ ‏{‏لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا‏}

حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ كَانَ هُوَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فَقَالَ مَرْوَانُ لِرَافِعٍ فِي أَيِّ شَيْءٍ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا الآيَةَ قَالَ رَافِعٌ نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا إذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى سَفَرٍ تَخَلَّفُوا عَنْهُ فَإِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ اعْتَذَرُوا وَقَالُوا مَا حَبَسَنَا عَنْكُمْ إِلاَّ السَّقَمُ وَالشُّغْلُ وَلَوَدِدْنَا أَنَّا كُنَّا مَعَكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ فِيهِمْ فَكَأَنَّ مَرْوَانَ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ مَا هَذَا‏؟‏ فَجَزَعَ رَافِعٌ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُ مَا أَقُولُ‏؟‏ فَقَالَ زَيْدٌ نَعَمْ فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ وَهُوَ يَمْزَحُ مَعَهُ أَمَا تَحْمَدُنِي كَمَا شَهِدْت لَك‏؟‏ فَقَالَ رَافِعٌ وَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا أَحْمَدُك أَنْ تَشْهَدَ بِالْحَقِّ‏؟‏ فَقَالَ زَيْدٌ نَعَمْ قَدْ حَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْحَقِّ أَهْلُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رِجَالاً مِنْ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى الْغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَذَرُوا إلَيْهِ وَحَلَفُوا وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ‏}‏.‏

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي عَبَّادٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ اذْهَبْ يَا رَافِعُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْ لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ مِنَّا فَرِحَ بِمَا أَتَى وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعِينَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ الآيَةِ‏؟‏ إنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ تَلاَ ابْنُ عَبَّاسٍ {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} الآيَةَ ثُمَّ تَلاَ ابْنُ عَبَّاسٍ {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَأَلَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إيَّاهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ فَخَرَجُوا وَقَدْ أَرَوْهُ أَنْ أَخْبَرُوهُ بِمَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ وَاسْتُحْمِدُوا بِذَلِكَ إلَيْهِ وَفَرِحُوا بِمَا أَتَوْا مِنْ كِتْمَانِهِمْ إيَّاهُ مَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ‏.‏

كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنِ مُوسَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الأَزْدِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ إنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه لِفِنْحَاصَ وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ وَأَحْبَارِهِمْ اتَّقِ اللَّهَ وَأَسْلِمْ فَوَاَللَّهِ إنَّك لَتَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِ اللَّهِ جَاءَكُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِهِ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ فَقَالَ فِنْحَاصُ يَا أَبَا بَكْرٍ وَاَللَّهِ مَا بِنَا إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ فَقْرٍ وَإِنَّهُ إلَيْنَا لَيَفْتَقِرُ وَمَا نَتَضَرَّعُ إلَيْهِ كَمَا يَتَضَرَّعُ إلَيْنَا وَإِنَّا عَنْهُ لاََغْنِيَاءُ وَلَوْ كَانَ عَنَّا غَنِيًّا لَمَا اسْتَقْرَضَنَا أَمْوَالَنَا كَمَا يَزْعُمُ صَاحِبُكُمْ يَنْهَاكُمْ عَنْ الرِّبَا وَيُعْطِينَاهُ‏,‏ وَلَوْ كَانَ عَنَّا غَنِيًّا مَا أَعْطَانَا الرِّبَا فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ فَضَرَبَ وَجْهَ فِنْحَاصَ فَأَخْبَرَ فِنْحَاصُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَبِي بَكْرٍ مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْتَ‏؟‏ فَأَخْبَرَهُ فَجَحَدَ ذَلِكَ فِنْحَاصُ وَقَالَ مَا قُلْتُ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} الآيَةَ إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏عَذَابَ الْحَرِيقِ‏}‏ وَأَنْزَلَ فِي أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَمَا بَلَغَهُ مِنْ ذَلِكَ الْغَضَبِ {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الآُمُورِ} وَقَالَ فِي مَا قَالَ فِنْحَاصُ وَأَحْبَارٌ مِنْ الْيَهُودِ مَعَهُ {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ يَعْنِي فِنْحَاصَ وَأَشْبَعَ وَأَشْبَاهَهُمَا مِنْ الأَحْبَارِ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا يُصِيبُونَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَا زَيَّنُوا لِلنَّاسِ مِنْ الضَّلاَلَةِ وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا وَلِيَقُولَ النَّاسُ لَهُمْ عِلْمٌ وَلَيْسُوا بِأَهْلِ عِلْمٍ لَمْ يَحْمِلُوهُمْ عَلَى هُدًى وَلاَ عَلَى خَيْرٍ وَيُحِبُّونَ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ قَدْ فَعَلُوا وَلَمْ يَفْعَلُوا‏.‏

فَقَالَ قَائِلٌ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ تَضَادٌّ شَدِيدٌ لأَنَّ فِيهَا عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْتَذِرُونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ قُدُومِهِ مِنْ غَزْوِهِ أَنَّهُمْ لَمْ يُخَلِّفْهُمْ عَنْهُ أَنْ يَكُونُوا مَعَهُ فِي غَزْوِهِ إِلاَّ السَّقَمَ وَالشُّغْلَ وَلأَنَّ فِيهَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَأَنَّ الْمُرَادِينَ بِهَا أَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ أَخْبَرُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخِلاَفِ مَا فِي كِتَابِهِمْ حِينَ سَأَلَهُمْ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ بِخِلاَفِهِ وَهَذَا تَضَادٌّ شَدِيدٌ‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنْ لاَ تَضَادَّ فِي ذَلِكَ لأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الأَمْرَانِ جَمِيعًا قَدْ كَانَا فَكَانَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا ذَكَرَهُ رَافِعٌ وَأَبُو سَعِيدٍ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَا كَانَ مِنْهُمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الآيَةَ فِي مَا كَانَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا فَعَلِمَ رَافِعٌ وَأَبُو سَعِيدٍ مَا نَزَلَتْ فِيهِ مِمَّا كَانَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَعَلِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا نَزَلَتْ فِيهِ مِمَّا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَمْ يَعْلَمْ وَاحِدٌ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مَا عَلِمَ الْفَرِيقُ الآخَرُ مَا نَزَلَتْ فِيهِ فَحَدَّثَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِمَا عَلِمَ بِهِ مِمَّا كَانَتْ الآيَةُ نَزَلَتْ فِيهِ مِنْ السَّبَبَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَ نُزُولُهَا فِيهِمَا وَكَانَ نُزُولُهَا فِي الْحَقِيقَةِ فِي السَّبَبَيْنِ جَمِيعًا لاَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ فَبَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبِنْ لَنَا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ تَضَادٌّ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏